الأهرامات المصرية - لماذا ومتى و كيف بنيت ؟

ليس بعيداً عن الاسكندرية وقفت مجموعة الأهرامات التي بقيت تعتبر حتى يومنا هذا من عجائب العالم. القليل جداً هو معروف فعلياً بخصوص الأهرامات. السجلات التاريخية هي ضئيلة وغير كافية. 

ذكرها هيرودوتوس في القرن الخامس قبل الميلاد. لكن على الأغلب لم يكن لدى أحد اهتمام كبير بما يكفي ليحاول البحث في الظروف المحيطة ببناء هذه الصروح العظيمة. إلى هذا اليوم لا أحد يعلم لماذا ومتى وكيف بنيت هذه الصروح العملاقة. 

الأهرامات المصرية - لماذا ومتى و كيف بنيت ؟

الأهرامات المصرية - لماذا ومتى و كيف بنيت ؟

كل ما قرأناه في الكتب وشاهدناه في البرامج الوثائقية التلفزيونية هي مجرد نظريات وتخمينات واهية. هذه الصروح العملاقة ستبقى تؤسر مخيلة وتفكير الإنسان وتثير الحيرة والاستغراب في نفسه. أول ما وجب الانتباه له هو حقيقة أن الأهرامات تنتمي إلى فترة تاريخية قديمة جداً سادت على كامل مساحة الكرة الأرضية. 

حيث نجد الكثير من الأبنية الهرمية في كل مكان في العالم، والأمر الأكثر إثارة هو أن النسبة الأكبر من هذه البني الهرمية هي غارقة في قاع المحيطات وتقول الدراسات بأن هذه الأبنية الغارقة لا يمكن أن تكون قد لمست الهواء قبل عشرة آلاف سنة!

بالإضافة إلى أن الشكل الهرمي ظهر في الفنون التصويرية القديمة. ففي أشكال الماندالا في التيبت ومنغوليا وبهوتان وكوريا والصين واليابان، نرى أن تصميم الهرم يظهر دائماً، ويمثل أساس لصورة تأملية عظيمة. هذا جعل بعض الباحثين يفترضون بأن الشكل الهرمي له علاقة قوية بالتأمل الروحي. 

هذا أدى إلى استنتاج حقيقة أن الأهرامات التي تم بنائها في كل مكان حول العالم في إحدى الفترات القديمة تم إنشائها لغاية تذكير الفرد بوجود واقع غامض يقبع ماوراء، أو يتجاوز، كافة النماذج الإنسانية المتغيرة والمؤقتة. وفي أحد الكتب الهرمزية وصف هرمز حقيقة أن هذه الأبنية الهرمية كانت صروح تذكارية للقوة الإلهية. هي شاهدة على ذلك الزمن الذي مشت فيه الآلهة مع البشر على الأرض. 

لقد أصبحت جزءاً من إرث تقليدي. وإذا درسنا الفلسفة الأفلاطونية المستحدثة ثمر على استنتاج أن الألهة الذين مشوا مع البشر هم في الحقيقة الآلهة الذين يقبعون داخل البشر. أي أنه داخل الإنسان في إحدى الفترات التاريخية القديمة، ارتقت البصيرة والقدرة إلى مستوى الألوهية ونتج من ذلك انعكاس خارجي هندسي عمراني عظيم أصبحنا نعرفه اليوم بالأهرامات.

في الحقيقة فإن الظروف المحيطة بهذه الأهرامات في الجيزة تتحدى مخيلتنا. نحن تعلم بأنه من بني أهرام الجيزة كان متمكن جدا في علم الفلك، حيث كان لديه معرفة كاملة بالنظام الشمسي وتفاصيله، وكافة عجائب الخطة الكونية من خلال ما تكشفه حركات الأجرام السائرة في الفضاء. لقد عرف المسافة بين الكرة الأرضية وباقي كواكب المنظومة الشمسية. 

لقد عرف تفاصيل الانقلابين الشتوي والصيفي وكذلك الاعتدالين الربيعي والخريفي. أدرك أهمية الثريات والمجموعات النجمية. وغيرها من علوم راقية ومتطورة لا تتناسب أبداً مع المفهوم العام الذي كوتاه بخصوص حالة العالم في الفترة التي من المفترض أن بنيت فيها الأهرامات. 

الجواب الممكن الوحيد هو أنه في الزمن الذي بنيت فيه الأهرامات كان لدى بنائيه معرفة متطورة لم يتم نشرها بين الناس. حتى الحكام لم يحوزوا على هذه المعرفة. وكان هناك مجموعة منغلقة من المهندسين والبنائين العجيبين الذين عرفوا التناسبات الرياضيتية العجيبة والتي لمسنا بعضاً منها خلال الاطلاع على أعمال فيثاغورث وإقليدوس.

لكن حتى هذا لا يعتبر تفسيراً كاملاً. لأنه يستحيل التأكد كيف تم هذا العمل الهائل والعجيب. الفكرة السخيفة التي لازال الأكاديميون يتبعونها والتي تتحدث عن جحافل من العبيد وأعداد كبيرة من الرافعات والبكرات وغيرها من أدوات ميكانيكية بدائية لا يمكنها أن تصمد أمام عظمة هذا الإنجاز الهندسي المهيب. 

التفسير الأكاديمي ليس كافياً لشرح ما نراه قائماً أمامنا. كمية العمل التي بذلت في هذه الصروح تتجاوز مخيلتنا بكل بساطة. من أجل التفسير السليم والمجدي لطريقة بناء هذه الصروح، وجب إدخال أدوات وتجهيزات وتقنيات متطورة لا تعتقد بأن القدماء حازوها في ذلك الزمن. لذلك لجأ عدد كبير من الأشخاص في زمن الاسكندرية وحتى في زماننا الحالي إلى فرضيات ماورائية وتجاوزية لكي يفسروا طريقة بناء الأهرامات.

الأهرامات أكبر مما نتصور على أرض الواقع

الأهرامات أكبر مما نتصور على أرض الواقع

عندما نعجز عن تفسير كيفية إنجاز شيء معين فسوف نلجأ إلى افتراضات تتعلق بالسحر والماورائيات عموماً. حتى الصينيون لازالوا يعتقدون بأن سور الصين الشهير تم بناءه من قبل آلهة وليس بشر، لأنهم بكل بساطة لا يؤمنون بأن كائنات بشرية استطاعت بناءه.

بالتالي فإنه أمر طبيعي إذا واجهنا شيئاً يتجاوز قدرتنا على تفسيره منطقياً أن تبدأ بالتساؤل إذا كان هناك وسائل تجاوزية داخلة بالموضوع. وهذا ما حصل خلال تفسير معظم الصروح الأثرية العملاقة حول العالم والتي لازالت تمثل الغاز غامضة. 

الاعتماد على هذه النظرية التجاوزية في تفسير طريقة بناء تلك الصروح هو مريح بدرجة معينة لكنه سيقودنا إلى مواجهة تعقيدات كبيرة، لأننا نعلم بأن المصريين، وكذلك الحضارات الأخرى لتي ازدهرت في ذلك الزمن الغابر، كانوا تجاوزيين. نحن نعلم بأنه كان لديهم معرفة عن القانون الطبيعي والتي تسبق زمانهم بكثير. 

كما أن لديهم مسؤولية في استخدام القوانين الطبيعية وتسبق زماننا نحن بكثير. كان لدي أولئك الناس القدماء تقدير عميق التكامل وعظمة الخطة الكونية. لقد اكتشفوا منذ آلاف السنين حقيقة أنه لا يمكن خرق قانون الطبيعة من دون معاناة. 

لم يطوروا بعد ذلك النوع الغريب من الأنانية التي غالباً ما تدفعنا إلى الافتراض بأن الله يعتمد علينا لكي تدير له غايته ومخططه الخاص بالعالم. لم يفكر القدماء بذلك أبدأ. كانوا مدركين وحتى مؤمنين بأنهم مجرد خدم لواقع عظيم ولامتناهي.

خلال نشوء المذاهب الباطنية الاسكندرانية، لدينا نقطة مهمة أثارها كل من الفيلسوف أفلوطين وبروكلوس، وهي أن الصوفية، أو الباطنية، والتي هي التنمية الداخلية للملكات والتي تطلق بعض القوى التجاوزية المختلفة في الإنسان غالباً ما تؤدي إلى بروز حالات وظواهر غير مستحبة، وهي ذاتها التي تشير إليها اليوم بالظواهر والقدرات الخارقة. 

الصوفي يميل أكثر من غيره إلى الإيمان بتجلي الظواهر الخارقة في الحياة. ولأن هذه الظواهر غير دائمة وغير شمولية بين الناس، ولأنه من الضروري أن يكون المستوى الأخلاقي للفرد راقياً بما يكفي لتحمل مسؤولية إدارة هذه القدرات، فهذا يجعلها تقود غالباً إلى حصول مشاكل، بينما الصوفية تقود إلى الارتقاء الروحي فقط. رغم تشابهما إلا أنهما لا يمثلان الشيء ذاته.

الأمر المؤكد والحتمي هو أن من بنى الأهرامات في الجيزة بمصر كان يحوز على معرفة عظيمة، وليس هذا فحسب بل هي معرفة تجاوزية بكل تأكيد بحيث تحترف التعامل مع القوى الماورائية. ومن المؤكد أيضاً أنهم أكثر حكمة من الذين يعيشون في العالم اليوم.

الكثير من المهندسين العصريين صرحوا بكل ثقة ودون تردد بأن الهرم الأكبر لو لم يكن موجوداً الآن في موقعه، أي لو أنه اندثر مع الزمن لأسباب تدميرية كثيرة، ولم يبقى سوى التقارير التاريخية عنه فقط، يستحيل أن يصدق أحد بأن هكذا بناء يمكن أن يكون موجود فعلياً. 

هذه هي الحالة التي نواجهها. السبب الوحيد الذي يدعونا إلى تقبل إمكانية وجود هذا الصرح هو لأنه قائم أمام عيوننا. أما كيف تم هندسته وإنشائه فلا زال الجميع يجهل تماماً. والمشكلة هي أنه كلما تعمق االخبراء في دراسة الهرم يكتشفون بأن جهلهم به يزداد أكثر وأكثر.

وجد الباحثون العصريون في بدايات القرن الماضي في القطاعات التي تعلو حجرة الملك داخل الهرم الأكبر بعض العلامات التي يفترض بأنها تمثل جزء من اسم الفرعون خوفو. فقرروا أن هذه الخرطوشة تمثل اسم الفرعون خوفو. لكن عندما تنظر إلى الخرطوشة سوف تلاحظ بأن حالتها سيئة وحفرها ليس واضحاً. 

هذا من أحد الأسباب التي تؤكد بأن الفرعن خوفو ليس له علاقة بهذا الهرم. كيف يمكن أن نقبل بفكرة أن فرعون مغرور أراد أن يحفر اسمه على صرح عظيم كإثبات على أحقيته في هذا الإنجاز فلا يجد مكان لوضع الاسم سوى في مكان لا يمكن فيه قراءة الاسم لأنه لا يمكن رؤيته بسهولة، وخلال عملية بناء ذلك الموقع من الهرم يتعرض الاسم المحقور للتشويه وحتى الزوال. 

بالتالي ليس ممكناً أن يضع الفرعون المغرور شيئاً داخل حجرات الهرم بحيث لا يمكن رؤيته سوى بعد آلاف السنوات ويكتشف بالصدفة. معظم الصروح المصرية هي معلمة بوضوح بأسماء بنائيها. وبعضهم عبر التاريخ قلعوا الخرطوش الأصلي ليضعوا خرطوش يحمل اسمهم. 

المهم أن موقع وضع الخرطوش في الصروح العمرانية يكون ظاهراً بوضوح دائماً، رغم أن النظرية التي تجعل خوفو باني الهرم الأكبر هي ضعيفة جداً إلا أنها لازالت قائمة حتى الآن في العالم الأكاديمي بسبب غياب أي نظرية افضل منها.

الأمر الأهم الذي وجب الاهتمام به خلال دراسة الهرم هو البحث في السبب الفعلي لتشييد هذا الصرح العظيم، ولماذا بني بهذا الشكل، ولماذا بني في هذا الموقع تحديداً، وما ، هي العلاقة التي تربط بين مجموعة الأهرامات ببعضها ومع أبو الهول؟ أول ما يطرأ في البال بخصوص هذا الموضوع هو وجوب محاولة فهم وتصور كيف يمكن أن يكون عليه ذلك الزمن القديم. 

بعد إلقاء نظرة متفحصة على الآثار الجبارة التي خلفها القدماء، إن كان في العمران أو المفاهيم الفلسفية والعلوم التطبيقية القديمة، أول ما يطرأ في البال هو ضرورة إعادة النظر في قناعاتنا حول الحالة التي كانت سائدة في الماضي البعيد. 

لم يعد هناك أساس لتلك الفكرة السخيفة التي ترجعنا إلى أصل قرود أو حالة همجية وضيعة بحيث يزعم المعتقد العام أنه قبل حضارتنا الحالية بعدة ألفيات لم يكن هناك شيئا سوى جهل مطلق ووحشية منقطعة النظير. 

هذه النظرة للماضي البعيد لم تعد تجد لها أساس متين. معظم الدلائل التي لدينا بخصوص الماضي البعيد تشير إلى حقيقة أنه في زمن ما في ذلك الماضي السحيق عاش أصحاب عقول هائلة ومنهج علمي عظيم كان قادراً على تخطيط وتنفيذ مشاريع عجيبة لدرجة عدم التصديق!

عندما زار الخليفة العباسي المأمون موقع الأهرامات كانت لازالت بهيئتها شبه الكاملة، كانت حجارتها الملساء التي غطت وجوهها لازالت بمكانها، تلمع عبر مسافات بعيدة. لكن الأهرامات تحولت لاحقاً إلى مصدر رئيسي للحجارة التي بنوا بواسطتها البيوت الحكومية والجوامع في مدينة القاهرة.

عندما زار الخليفة العباسي المأمون موقع الأهرامات كانت لازالت بهيئتها شبه الكاملة، كانت حجارتها الملساء التي غطت وجوهها لازالت بمكانها، تلمع عبر مسافات بعيدة. لكن الأهرامات تحولت لاحقاً إلى مصدر رئيسي للحجارة التي بنوا بواسطتها البيوت الحكومية والجوامع في مدينة القاهرة.

كان المصريون القدماء يؤكدون أنه في زمن بعيد قبل زمانهم كان الآلهة يعيشون مع البشر. قالوا أن الآلهة والقوى الإلهية مشت على هذه الأرض. هذا التصريح لا بد أنه رمزي، لكن إلى ماذا يرمز؟ 

ربما ما كانوا يحاولون قوله لنا هو أنه في زمن بعيد جداً كان الكائن البشري عظيماً بالفطرة، أي تتجلى فيه القوة الإلهية بشكل طبيعي منذ ولادته!كان الإنسان مثلاً موهوب بشكل طبيعي بقدرة الإستبصار أو أي قدرة إدراكية خارقة. 

كان لديه قدرة عجيبة على إدراك وتقييم والتناغم مع أي من المبادئ الكونية التي يتأسس عليها الوجود المادي. هذا ولم تتحدث عن قدرة تحريك الأشياء بقوة الفكر وقد رأينا هذا بوضوح في الصروح الحجرية العملاقة التي لا يمكن لأي آلة ميكانيكية التعامل معها.

إذا، عندما قالوا أن الآلهة عاشت مع البشر كانوا يقصدون أن القدرة الإلهية العظيمة تجلت لدى البشر. لكن تدريجياً، ومع مرور الزمن، بدأ العالم المادي يطغي على تفكير هؤلاء إلى أن سقطت البشرية جمعاء في حقبة زمنية سوداء.

النهاية

في تلك الفترة التاريخية السحيقة يا أصدقائي، كان أسلافنا القدماء يعيشون حياة دنيوية بسيطة بالمقارنة مع حياتنا العصرية الصاخبة. لم يكن هناك مشكلة في زيادة السكان ولا مشاكل تتعلق بالتنافس غير الأخلاقي في مسائل تخص التجارة والصناعة وغيرها، وحتى الحروب كانت محدودة جداً. عاش الناس عموماً حياة طبيعية ومستقرة، وتعتمد كلياً على البصيرة الداخلية المتوافقة مع القوانين الكونية.

كما كانت حالة الهنود الأمريكيين الذين في غياب أي مساعدة خارجية، لم يطوروا فقط نظام صوفي هائل، بل ابتكروا من داخل أنفسهم كافة القوانين والمبادئ والأحكام التي هي ، ضرورية لهم في تسيير شؤونهم الحياتية. كان لؤلئك الشعوب القديمة بصيرة داخلية عميقة وهائلة، لكنها فقدت الآن نتيجة تعرض الفرد لعملية تكييف خارجية ومستمرة. 

يعلموه منذ الطفولة بأن لا يفكر بنفسه وأن لا يبحث داخل نفسه عن الإجابات والحلول المناسبة لمشاكله، بل ليقرأها من الكتب التي فرضت عليه من قبل منظومة تعليم موجهة. وكنتيجة لذلك، فقد الفرد قدرته على التواصل المباشر مع الواقع. فلسفته الجديدة هي الاعتماد بالكامل على آراء أشخاص آخرين وتفسيراتهم الخاصة للأمور المختلفة في هذا العالم.