اعرف عدوك الحقيقي و لا تكن سطحيا
تعرّف على عدوّك يا أخي الكريم ولا تكن سطحياً وتعمّق في الأمور أكثر. أنت يا أيها الإنسان تواجه الآن عدواً خبيثاً ماكراً مبدعاً عبقرياً شيطانياً قوي جداً، متين جداً، مسيطر جداً، وعالي جداً بحيث لا يمكن أن تطاله يداك أبداً، خفي جداً بحيث أنك لا تؤمن بوجوده أصلاً.. رغم أنه يسيطر عليك ويكبّلك من خلال نواحي كثيرة في حياتك اليومية.
هو الذي ابتكر ما نتعلمه وصنع ما نؤمن به وصمّم ما نعتقده. هو الذي صنع لنا المنطق الذي نألفه ونلتزم به على أنه الحقيقة والصواب، وأصبح هذا المنطق مع الوقت عبارة عن مجموعة مسلّمات لا يمكن تجاوزها أبداً. وعيّن على هذا المنطق حرّاساً من بيننا يفرضونه علينا ويستمرون في تكريسه بوسائل مختلفة لا يمكن مقاومة سحرها أو وطأتها أو نفوذها.
![]() |
اعرف عدوك الحقيقي و لا تكن سطحيا |
(علاء الحلبي)
أتذكر أني تعرّضت للإعتداء في إحدى المناسبات، وكان المعتدي متطرفاً، ليس متطرفاً دينياً بل متطرفاً سياسياً، لقد أخطأت في تلك المناسبة وانتقدتُ إحدى الأحزاب الأممية، وحينها فتحت أبواب الجحيم على مصراعيها! إن ما لاحظته في تصرفات ذلك المتطرّف جعلني متيقناً أنه يدافع عن إنتماؤه وليس عن مصداقية ما ينتمي إليه.
هذا جعلني أتأمّل كيف يمكن لشخص أن يتصرّف بهذه الشراسة في سبيل الدفاع عن مؤامرة تم تخطيطها وتسويقها من قبل أشخاص هم بعيدون كل البعد عنه ولا يأبهون به أصلاً؟! رغم كل هذا ولا زال الكثير منا يستبعد كيف يمكن لمجموعة قليلة من الأشخاص السيطرة على هذا الكوكب بسهولة! إن دفاعنا المستميت عن كياناتنا التنظيمية وامتناعنا عن الكشف عن عيوبنا هو السبب الرئيسي وراء كل هذه المآسي وهذا البؤس الذي نتخبط فيه. وهذا بالذات ما يسهل عليهم التحكم بنا.
مصدر المشكلات التي تفتك بالمجتمعات
كل منا يأتي إلى هذه الدنيا ويكون له أعداء تلقائيين، حتى مع أننا لم نبلغ سن الطفولة بعد. نحن نرث أعداء آباءنا وأمهاتنا بشكل تلقائي. هناك أعداء يكرهونا لأننا أولاد فلان، أو لأننا من المذهب الفلاني، أو بسبب جنسيتنا... إلى آخره. وبنفس الوقت، نحن ننشأ على كره الآخرين باعتبارهم أعداء تقليديين لنا، كما هي الحال مع المذاهب الدينية، هكذا يوصونا آبائنا وهذه الوصية انحدرت من آبائهم وأسلافهم. قد يكون عدوّك اللدود هو جارتك التي لا تتردّد في إيذائك عندما تسنح لها الفرصة!
فقط لأنك أشطر من ابنها في المدرسة. وإذا كنت فتاة، فربما جمالك قد يجلب لك الكثير من الأعداء الحاسدات. هناك الكثير من الأسباب التي توفرّها طريقة حياتنا المشوّهة والمنحرفة، والتي توفّر لنا الكثير من الأعداء التلقائيين، جاهزين للانقضاض علينا في أقرب فرصة.
كل هذا ونحن لازلنا في سن البراءة بحيث لم نقم بأي عمل يستحقّ أن يصنع لنا أعداء. لكن حالة العداء هذه، ورغم خطورتها في أحيان كثيرة، هي هامشية بالنسبة للعدوان الحقيقي الذي نتعرّض له كل يوم وكل ساعة وكل ثانية.
والمشكلة هي أننا لم نفطن يوماً إلى هذا العدو الخطير الذي يصرف عمره في التخطيط لأذيتنا والنصب الأشراك لنا، وفي الحقيقة، هو المسؤول الأوّل عن حالة العداءات الهامشية التي ذكرتها في السابق والتي هي مستشرية بين كافة المجتمعات. فبينما نحن، أبناء المذاهب والعائلات والأقاليم المختلفة، نعادي بعضنا البعض، ونتآمر على بعضنا البعض، وننصب الأشراك لبعضنا البعض، لم نفطن أبداً إلى حقيقة أن حالة العداء هذه هي ليست نتيجة مباشرة لأحداث عفوية حصلت عبر التاريخ، بل هي نتيجة مخطط مقصود ومرسوم مسبقاً ويتم تنفيذه والمحافظة عليه عبر هذا التاريخ الطويل.
السيطرة على طريقة التفكير التى تحكم عقولنا
ولكي يحافظوا على هذا الوضع البائس الذي تتخبط فيه كافة التجمعات البشرية على هذه المعمورة، وجب أن يسيطر المتآمرون على طريقة التفكير التي تحكم عقولنا. ومن أجل تحقيق ذلك فلا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة. أهم هذه الإجراءات هي إبقائنا في حالة جهل تام عن حقيقتنا ككائنات بشرية وحقيقة الكون من حولنا. وجب عليهم أن يستمروا في العمل على إقناع كائنات جبارة غير محدودة القدرات، متعددة القوى والأبعاد، بأنهم مجرّد رجال ونساء عاديون يعيشون دون سبب أو جدوى أو هدف في هذه الحياة.
حينها فقط يستطيعون الإمساك بهم. ولكي يفعلوا ذلك عملياً، وجب عليهم قضاء قرون وقرون من الزمن، في قمع ممنهج ومنظّم للعلوم والمعارف والمعلومات التي تمكّن الناس من الرؤية، بوضوح، الحالة الجبارة التي يتمتعون بها ككائنات بشرية.
المنطق الذي يحكم الشعوب
ان العامل الوحيد والأساسي الذي يعتمدون عليه، ولا يمكن لهم النجاح دونه، هو المنطق الذي يحكم الشعوب. ولهذا السبب نراهم مهووسون في تكريسه والمحافظة عليه دائماً وأبداً. ومن أجل فعل ذلك، لا بد من أن يستخدموا الوكلاء المسوقين لهذا المنطق والمنظرين له، هؤلاء الوكلاء هم العاملين ضمن المؤسسات العلمية والسياسية والدينية وتفرعاتها المعقّدة جداً.
تذكّر أن الطبقة الكهنوتية ليست موجودة فقط في الأديان، بل في جميع المجالات الأخرى، وأخطر طبقة كهنوتية في هذا العصر هي تلك التي تسيطر على العالم الأكاديمي والمؤسسات التعليمية بشكل عام. المنطق الذي يحكمنا اليوم هو الذي يبقينا قابعين في نير البؤس والاستغلال والاستعباد والتبعية والعداء والاعتداء والفقر والجوع والغباء والجهل الدائم والمستمر. المنطق الذي يحكمنا اليوم هو الذي يمنعنا من الإبداع والتوسّع في تفكيرنا وإدراكنا ومحاولة فهم الكون من حولنا.
وطالما أن المنطق الذي يسود هو المسؤول عن وجود هذا الكم الهائل من الأعداء من حولنا، هذا يعني أنه العامل الرئيسي الذي يجعل الظروف مناسبة لتفريخ الأشرار والمجرمين في كل مكان، فبالتالي، إن غيابه قد يوفّر حالة سلام وانسجام وتناغم مع المحيطين بنا. وهذا يجعلنا نستنتج أن المسببين في انتشار وتكريس هذا المنطق السائد هم المسببين الرئيسيين لحالة الشرّ المستشري في كل مكان.
أي أنهم الأعداء الحقيقيون. وبناءً على هذا، نستنتج بأن كل من حاول أو عمل على استبعاد حقيقة وجود منطق بديل للمنطق السائد هو ممثّل أو وكيل لعدوّك الحقيقي، إن كان يفعل ذلك عن جهل أو عن دراية بما يجري.
هذا المنطق يفرخ المجرمين حول العالم يوميا
لكي أجعل الفكرة أكثر استيعاباً، سأستعين بمثال واحد لكنه شامل: إن البروفيسور الأكاديمي المحترم الذي يعلّم الأجيال اليافعة (بنيّة بريئة) بأن الطاقة الحرّة مستحيلة، هو في الحقيقة يكرّس الفكرة القائلة بأنه لا يمكن الحصول على الطاقة سوى بالطريقة التقليدية لاستخلاص الطاقة والتي تسيطر عليها الشركات.
وكذلك البروفيسور الأكاديمي المحترم الذي يقول بأن الطريقة الوحيدة للمحافظة على الصحّة وكذلك الشفاء من الأمراض، هي التعامل دائماً وأبداً مع الطب المنهجي الرسمي (أي تناول الأدوية الكيماوية)، هو يكرّس أيضاً فكرة أنه ما من علاجات بديلة ناجعة سوى من خلال هذا النوع من الطب الذي تسيطر عليه الشركات أيضاً.
عندما ننظر إلى هذا الوضع الأليم ونتحقق من خفايا الأمور، نجد أن الطاقة التقليدية (البترول الغاز الفحم) وكذلك الطب التقليدي (الأدوية الكيماوية والعمليات الجراحية والعلاجات الإشعاعية) جميعها فُرضت علينا بطريقة تجعلنا مجبرين على دفع الفواتير دائماً وأبداً.
المسألة هي مسألة تجارة واستهلاك. فهذه الشريحة الكهنوتية التي تم دعمها ومنحها المصداقية والسلطة الرسمية لكي تحدّد ما هو ممكن وما هو مستحيل علمياً، هي تتربّع الآن على عرش الحكمة المعرفية بسبب قيامها بهذا العمل، إن كانوا يفعلون ذلك عن جهل أو عن دراية بما يجري.
عندما نقول دفع فواتير، هذا يعني استنزاف كم هائل من الأموال غير الضرورية. لا أريد أن أذهب بعيداً في هذا الموضوع المتشعّب والمعقّد جداً، واعتقد أنه أصبح لديكم فكرة واضحة من خلال قراءة العناوين السابقة، لكن كل ما علينا فعله هو التعرّف إلى حقيقة أن النسبة الأعظم من المجرمين (خاصة اللصوص) وكذلك بائعات الهوى العاملات في الملاهي الليلية وبيوت الدعارة، يأتون من أسر مفكّكة، والسبب الرئيسي لتفكّك هذه الأسر هو العامل الاقتصادي.. الفقر، أي العجز عن دفع الفواتير! تصوّروا لو أن هناك منطق آخر يستبدل مصادر الطاقة التقليدية بأخرى نظيفة ومجانية، وكذلك منطق بديل للمنطق الطبّي الرسمي الذي يستنزف أموالنا، هل ستكون نسبة الجريمة والانحلال الأخلاقي مرتفعة إلى هذا الحدّ؟
الأصدقاء يدافعون عن الاعداء
إن ما أحاول جاهداً فعله هو الكشف عن الكثير من الأكاذيب والأخطاء الكامنة هنا وهناك خلال البحث عن الحقيقة. ولهذا سأضطرّ للإشارة إلى عيوب كامنة في بعض النظم أو المؤسسات أو الكيانات، إن كانت سياسية أو دينية أو علمية، وبالتالي سوف يسبب هذا العمل ظهور الكثير من المعارضين الذين سيرفضون النظر في العيوب التي أشرت إليها وبدلاً من ذلك سوف يعتبرون إشارتي إليها عبارة عن اعتداء واضح وصريح عليهم وسيتخذون الإجراءات اللازمة تجاه هذا التصرّف. في الحقيقة، هذا هو السبب الذي مكّن مجموعة قليلة من الأشخاص (القابعين في مكان ما) من السيطرة على هذا العالم بالكامل بأقل جهد ممكن.
لأنهم يعتمدون على هذه النوعية من البشر الذين سينقضّون فوراً على كل من تجرأ على المس بكيانهم التنظيمي ويستميتون في الدفاع عنه، دون أن يحاولوا يوماً النظر في عيوبه، ودون أن يفكروا ولو للحظة واحدة فقط كيف تم إنشاء هذا الكيان التنظيمي الذي يدافعون عنه ولصالح من؟
عندما أتحدث مثلاً عن الطب المنهجي والمؤامرات التي سوّقها روكفيللر في الولايات المتحدة في سبيل تكريس هذا النظام الطبي التجاري حول العالم، وكذلك الأدوية التي عمل جاهداً على قمعها وإخفائها، أوّل من سيتصدى لكلامي هو ليس روكفيللر القابع في الولايات المتحدة أو عملاؤه من أصحاب مصانع وشركات الأدوية العملاقة، بل الطبيب العادي الذي قد يكون أخي أو جاري أو صديقي أو طبيبي الذي أزوره عندما أمرض.
هؤلاء سيتولون مهمة الدفاع عن المنهج الطبي السائد وسيعتبرون كلامي اعتداء عليهم وعلى كيانهم التنظيمي المحترم! تصور يا سدي مدى الورطة التي نحن فيها. فبطريقة ما، يعمل هؤلاء المقربين مني، والذين يجمعني معهم علاقة حميمة، على الدفاع عن أشخاص قابعين في لندن و نيويورك (الذين أسسوا هذا المنهج الطبي أساساً) دون حتى النظر في الهدف من تأسيس هذا الكيان الطبي في البداية.